كيف يكتسب المسلم صفة التواضع؟

التواضع في ضوء الكتاب والسنة

التواضع هو خلق رفيع من أخلاق الإسلام، يُعدّ من الصفات الحميدة التي دعانا الله تعالى ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى التحلي بها. فهو يُبعد الإنسان عن الكِبر والغطرسة، ويجعله محببًا لدى الناس ومقبولاً في المجتمع، ويمنحه الطمأنينة وراحة النفس. نستعرض فيما يلي مكانة التواضع في الإسلام من خلال الكتاب والسنة.

تعريف التواضع وأهميته

التواضع لغةً هو الانحناء والخضوع، ويُقصد به في الشرع لين القلب وخفض الجناح للآخرين، دون أن يشعر الإنسان بالعلوّ على غيره. فالمتواضع يرى نفسه مثل الآخرين، لا يظن أنه خيرٌ منهم ولا يتكبر عليهم، بل يضع نفسه في موضع رحمة واحترام للجميع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، أقوياء أو ضعفاء.

أهمية التواضع كبيرة في الإسلام؛ حيث يُعدّ من الخصال التي تجعل المسلم محبوبًا لدى الله عز وجل ولدى الناس. فالله سبحانه وتعالى يرفع درجات المتواضعين ويقرّبهم إليه، ويمنحهم مكانة عالية في الآخرة، كما جاء في الحديث الشريف: “ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”.

التواضع في القرآن الكريم

حث القرآن الكريم على التواضع في عدة مواضع، ومنها قول الله تعالى في سورة الفرقان: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” (الفرقان: 63). تشير هذه الآية إلى أن من صفات المؤمنين الحقيقيين أنهم يمشون بتواضع على الأرض، ولا يتعالون على غيرهم، ويتعاملون بحلمٍ مع من يجهل عليهم.

وفي موضع آخر، يقول الله تعالى في سورة لقمان: “وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” (لقمان: 18). ينهى الله تعالى عباده عن التكبر والتفاخر، لأن ذلك يؤدي إلى فساد في النفس ويزيد من غرور الإنسان.

التواضع في السنة النبوية

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً عظيماً للتواضع، فقد كان يعامل الناس بلين ورفق، ويشاركهم همومهم ويواسيهم في أحزانهم. روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صافح أحدًا لا ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزعها، وإذا لقيه أحدُ فلا ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وكان إذا لقيه أحد من أصحابه بدأهم بالمصافحة”، مما يعكس تواضعه وتقديره للآخرين، مهما كان مقامهم أو مكانتهم الاجتماعية.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من تواضع لله رفعه”، أي أن التواضع سبيلٌ للرقيّ ورفع الدرجات عند الله، فهو يكرم المتواضعين ويعطيهم المنزلة العالية بين عباده.

فوائد التواضع في حياة المسلم

التواضع يحقق للمسلم عدة فوائد، منها:

  1. القرب من الله: التواضع يجعل الإنسان محبوبًا عند الله ويبعده عن صفة الكِبر التي يبغضها الله. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”.
  2. حب الناس: الشخص المتواضع يكون محببًا لدى الآخرين، ويكسب احترامهم وثقتهم، حيث يشعر الناس بقربه وودّه لهم.
  3. السلام الداخلي: التواضع يساعد الإنسان على السلام النفسي، لأنه يُبعده عن المنافسة غير الصحية وحب الظهور، مما يحقق له الطمأنينة وراحة البال.
  4. النجاح في العلاقات الاجتماعية: التواضع هو أساس العلاقات السليمة، حيث يقرب الإنسان من الآخرين ويجعله محبوبًا لديهم.

كيف يكتسب المسلم صفة التواضع؟

لكي يكتسب المسلم صفة التواضع، يمكن أن يتبع ما يلي:

  1. التأمل في عظمة الله: إدراك عظمة الله وحقارته كعبد يساعد الإنسان على التخلص من الكبر، ويجعله يتواضع.
  2. التفكر في النعم: عندما يدرك الإنسان أن كل ما يملكه هو بفضل الله، فإنه يشعر بالامتنان ويدفعه ذلك إلى التواضع.
  3. التعلم من سير الصالحين: قراءة قصص الأنبياء والصحابة وكيف كانوا يتعاملون بتواضع مع الآخرين يساعد المسلم على الاقتداء بهم.
  4. الاحتفاظ بالقلب النقي: التواضع مرتبط بالنقاء الداخلي، فيجب أن يسعى المسلم دائمًا لتنقية قلبه من الغرور والأحقاد.

خاتمة

التواضع خلقٌ عظيمٌ يدعو له الإسلام، وقد أكد عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهو يجمع بين لين الجانب والتقدير للآخرين، وينشئ مجتمعًا تسوده المحبة والألفة. إن التواضع لا يُنقص من قدر الإنسان، بل يرفعه ويجعله محط حب الله ورضاه. لذا، يجب على المسلم أن يتحلى بهذه الصفة وأن يسعى جاهدًا إلى تحقيقها في حياته ليكون قدوة حسنة بين الناس وعبدًا محببًا عند الله.